فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والوعد: إخبار مخبر بأنه سيعمل عملًا للمُخبَر بالفتح.
ففعل {صدق} فيما حكي من قول المؤمنين {وصدق الله ورسوله} مستعمل في الخبر عن صدق مضى وعن صدق سيقع في المستقبل محقق وقوعه بحيث يُجعل استقباله كالمضي مثل {أتى أمرُ الله} [النحل: 1] فهو مستعمل في معنى التحقق.
أو هو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، ولا شك أن محمل الفعل على الصدق في المستقبل أنسب بمقام الثناء على المؤمنين وأعلق بإناطة قولهم بفعل {رأى المؤمنون الأحزاب} دون أن يقال: ولما جاءت الأحزاب.
فإن أبيتَ استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه فاقصره على المجاز واطرح احتمال الإخبار عن الصدق الماضي.
وضمير المستتر عائد إلى ما عاد إليه اسم الإشارة، أي: وما زادهم ما رأوا إلا إيمانًا وتسليمًا، أي: بعكس حال المنافقين إذ زادهم شكًا في تحقق الوعد، والمعنى: وما زاد ذلك المؤمنين إلا إيمانًا، أي: ما زاد في خواطر نفوسهم إلا إيمانًا، أي: لم يزدهم خوفًا على الخوف الذي من شأنه أن يحصل لكل مترقّب أن ينازله العدوّ الشديد، بل شغلهم عن الخوف والهلع شاغل الاستدلال بذلك على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبرهم به وفيما وعدهم الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام من النصر فأعرضت نفوسهم عن خواطر الخوف إلى الاستبشار بالنصر المترقب.
والتسليم: الانقياد والطاعة لأن ذلك تسليمُ النفس للمنقاد إليه، وتقدم في قوله تعالى: {ويسلّموا تسليمًا} في سورة النساء (65).
ومن التسليم هنا تسليم أنفسهم لملاقاة عدوّ شديد دون أن يتطلبوا الإلقاء بأيديهم إلى العدوّ وأن يصالحوه بأموالهم.
فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أنه لما اشتدّ البلاء على المسلمين استشار رسول الله السعدَيْن سعدَ بن عُبادة وسعدَ بن معاذ في أن يعطي ثلث ثمار المدينة تلك السنة عيينةَ بنَ حصن، والحارثَ بن عوف وهما قائدا غطفان على أن يرجعا عن المدينة، فقالا: يا رسول الله أهو أمر تحبه فنصنعه، أم شيء أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيء تصنعه لنا؟ قال رسول الله: بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتْكم عن قوس واحد وكَالَبُوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ مَّا.
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بَيْعًا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزَّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيفَ حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله: فأنت وذاك.
فهذا موقف المسلمين في تلك الشدة وهذا تسليم أنفسهم للقتال.
ومن التسليم الرضى بما يأمر به الرسول من الثبات معه كما قال تعالى: {ويُسَلّمُوا تَسليمًا} [النساء: 65].
وإذ قد علم أنهم مؤمنون لقوله: {ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب} إلى آخره.
فقد تعين أن الإيمان الذي زادهم ذلك هو زيادة على إيمانهم، أي: إيمان مع إيمانهم.
والإيمان الذي زادهُمُوه أريد به مظهر من مظاهر إيمانهم القويّ، فجعل تكرر مظاهر الإيمان وآثاره كالزيادة في الإيمان لأن تكرر الأعمال يقوّي الباعث عليها في النفس يباعد بين صاحبه وبين الشك والارتداد فكأنه يزيد في ذلك الباعث، وهذا من قبيل قوله تعالى: {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} [الفتح: 4] وقوله: {فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانًا} كما تقدم في سورة براءة (124)، فكذلك القول في ضد الزيادة وهو النقص، وإلا فإن حقيقة الإيمان وهو التصديق بالشيء إذا حصلت بمقوماتها فهي واقعة، فزيادتها تحصيل حاصل ونقصها نقض لها وانتفاء لأصلها.
وهذا هو محمل ما ورد في الكتاب والسنة من إضافة الزيادة إلى الإيمان وكذلك ما يضاف إلى الكفر والنفاق من الزيادة كقوله تعالى: {الأعراب أشدُّ كُفْرًا ونفاقًا} [التوبة: 97] وقوله: {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسًا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة: 125].
وإلى هذا المحمل يرجع خلاف الأيمة في قبول الإيمان الزيادة والنقص فيؤول إلى خلاف لفظي.
{منَ الْمُؤْمنينَ رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمنْهُمْ مَنْ يَنْتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا (23)}.
أعقب الثناء على جميع المؤمنين الخلص على ثباتهم ويقينهم واستعدادهم للقاء العدوّ الكثير يومئذ وعزمهم على بذل أنفسهم ولم يقدر لهم لقاؤه كما يأتي في قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] بالثناء على فريق منهم كانوا وَفَّوْا بما عاهدوا الله عليه وفاءً بالعمل والنية، ليحصل بالثناء عليهم بذلك ثناء على إخوانهم الذين لم يتمكنوا من لقاء العدوّ يومئذ ليعلم أن صدق أولئك يؤذن بصدق هؤلاء لأن المؤمنين يدٌ واحدة.
والإخبار عنهم برجال زيادة في الثناء لأن الرجُل مشتق من الرّجْل وهي قوة اعتماد الإنسان كما اشتق الأيد من اليَد، فإن كانت هذه الآية نزلت مع بقية آي السورة بعد غزوة الخندق فهي تذكير بما حصل من المؤمنين من قبل، وإن كانت نزلت يوم أُحُد فموضعها في هذه السورة إنما هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم فهو تنبيه على المعنى الذي ذكرناه على تقدير: أنها نزلت مع سورة الأحزاب.
وأيَّا مَّا كان وقتُ نزول الآية فإن المراد منها: رجال من المؤمنين ثبتوا في وجه العدو يوم أُحُد وهم: عثمان بن عفان، وأنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله، وحمزة، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير.
فأما أنس بن النضر وحمزة ومصعب بن عمير فقد استُشهدوا يومَ أُحُد، وأما طلحة فقد قُطعت يده يومئذ وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما بقيتهم فقد قاتلوا ونجوا.
وسياق الآية وموقعها يقتضيان أنها نزلت بعد وقعة الخندق.
وذكر القرطبي رواية البيهقي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أُحُد مرّ على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف ودعا له ثمّ تلا {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} الآية.
ومعنى {صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أنهم حققوا ما عاهدوا عليه فإن العهد وعد وهو إخبار بأنه يفعل شيئًا في المستقبل فإذا فعله فقد صدق.
وفعل الصدق يستعمل قاصرًا وهو الأكثر، ويستعمل متعديًا إلى المخبَر بفتح الباء يقال: صدقه الخبر، أي قال له الصدق، ولذلك فإن تعديته هنا إلى {ما عاهدوا الله عليه} إنما هو على نزع الخافض، أي: صدقوا فيما عاهدوا الله عليه، كقولهم في المثل: صدقني سنَّ بَكْره، أي: في سن بكره.
والنحب: النذر وما يلتزمه الإنسان من عهد ونحوه، أي: من المؤمنين مَن وفّى بما عاهد عليه من الجهاد كقول أنس بن النضرْ حين لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبُر ذلك عليه وقال: أولُ مشهد شَهده رسول الله غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مَشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرَيَّن الله ما أصنع فشهد أُحُدًا وقاتل حتى قُتل.
ومثل الذين شهدوا أيام الخندق فإنهم قَضَوْا نحبهم يوم قريظة.
وقد حمل بعض المفسرين {قضَى نحبه} في هذه الآية على معنى الموت في الجهاد على طريقة الاستعارة بتشبيه الموت بالنذر في لزوم الوقوع، وربما ارتقى ببعض المفسرين ذلك إلى جعل النحب من أسماء الموت، ويمنع منه ما ورد في حديث الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن عبيد الله: «إنه ممن قَضَى نَحْبَه» وهو لم يمت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله: {وما بدلوا تبديلًا} فهو في معنى {صدقُوا ما عاهدوا الله عليه} وإنما ذكر هنا للتعريض بالمنافقين الذين عاهدوا الله لا يولُّون الأدبار ثم ولوا يوم الخندق فرجعوا إلى بيوتهم في المدينة.
وانتصب {تبديلًا} على أنه مفعول مطلق موكّد ل {بدّلوا} المنفي.
ولعل هذا التوكيد مسوق مساق التعريض بالمنافقين الذين بدّلوا عهد الإيمان لما ظنوا أن الغلبة تكون للمشركين.
{ليَجْزيَ اللَّهُ الصَّادقينَ بصدْقهمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافقينَ إنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحيمًا (24)}.
لام التعليل يتنازعه من التعلق كل من {صدقوا} و{ما بَدلوا} [الأحزاب: 23] أي: صدق المؤمنون عهدهم وبدَّله المنافقون ليجزي الله الصادقين ويعذّب المنافقين.
ولام التعليل بالنسبة إلى فعل {ليجزي الله الصادقين} مستعمل في حقيقة معناه، وبالنسبة إلى فعل {ويُعذب} مستعار لمعنى فاء العاقبة تشبيهًا لعاقبة فعلهم بالعلة الباعثة على ما اجترحُوه من التبديل والخيس بالعهد تشبيهًا يفيد عنايتهم بما فعلوه من التبديل حتى كأنهم ساعون إلى طلب ما حَقَّ عليهم من العذاب على فعلهم، أو تشبيهًا إياهم في عنادهم وكيدهم بالعالم بالجزاء الساعي إليه وإن كان فيه هلاكه.
والجزاء: الثواب لأن أكثر ما يستعمل فعل جَزى أن يكون في الخير، ولأن ذكر سبب الجزاء وهو {بصدقهم} يدل على أنه جزاء إحسان، وقد جاء الجزاء في ضد ذلك في قوله تعالى: {اليوم تُجْزَوْن عذابَ الهون} في سورة الأنعام (93).
وإظهار اسم الجلالة في مقام إضماره للدلالة على عظمة الجزاء.
وتعليق التعذيب على المشيئة تنبيه لهم بسَعَة رحمة الله وأنه لا يقطع رجاءهم في السعي إلى مغفرة ما أتوه بأن يتُوبوا فيتوب الله عليهم فلما قابل تعذيبه إياهم بتوبته عليهم تعين أن التعذيب باق عند عدم توبتهم لقوله في الآية الأخرى: {إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به} [النساء: 48].
والتوبة هنا هي التوبة من النفاق، أي: هي إخلاص الإيمان، وقد تاب كثير من المنافقين بعد ذلك، منهم معتّب بن قشير.
وجملة {إن اللَّه كان غفورًا رحيمًا} تعليل للجزاء والتعذيب كليهما على التوزيع، أي غفور للمذنب إذا أناب إليه، رحيم بالمحسن أن يجازيه على قدر نصبه.
وفي ذكر فعل {كان} إفادة أن المغفرة والرحمة صفتان ذاتيتان له كما قدمناه غير مرة، من ذلك عند قوله تعالى: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا} في أول سورة يونس (2). اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُوا هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المؤمنين لما رأوا الأحزاب يعني جنود الكفار الذين جاءوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم في غزوة الخندق قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، ولم يبين هنا الآية التي وعدهم إياه فيها. ولكنه بين ذلك في سورة البقرة في قوله تعالى: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء وَزُلْزلُوا حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُوا مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إنَّ نَصْرَ الله قَريبٌ} [البقرة: 214]، وممن قال إن آية البقرة المذكورة مبينة لآية الأحزاب هذه: ابن عباس: وقتادة، وغير واحد وهو ظاهر.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا} الآية، صريح في أن الإيمان يزيد وقد صرح الله بذلك في آيات من كتابه، فلا وجه للاختلاف فيه مع تصريح الله جل وعلا به في كتابه، في آية متعددة كقوله تعالى: {ليزدادوا إيمَانًا مَّعَ إيمَانهمْ} [الفتح: 4] وقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا} [التوبة: 124] إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.قال الشعراوي:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
أسوة: قدوة ونموذج سلوكي، والرسول صلى الله عليه وسلم مُبلّغ عن الله منهجه لصيانة حركة الإنسان في الحياة، وهو أيضًا صلى الله عليه وسلم أُسْوة سلوك، فما أيسر أنْ يعظ الإنسانُ، وأنْ يتكلَّم، المهم أنْ يعمل على وَفْق منطوق كلامه ومراده، وكذلك كان سيدنا رسول الله مُبلّغًا وأسوة سلوكية؛ لذلك قالت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان خلقه القرآن».
لكن، ما الأسوة الحسنة التي قدَّمها رسول الله في مسألة الأحزاب؟ لمَّا تجمَّع الأحزاب كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم مُنزلَ الكتاب، سريعَ الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم».
وجعل شعاره الإيماني فيما بعد «لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده» وما دام هذه شعار المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو لكم أُسْوة.
وقال تعالى عن المؤمنين في هذه الغزوة: {وَزُلْزلُوا حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُوا مَعَهُ متى نَصْرُ الله} [البقرة: 214].
وفي بدر يقول أبو بكر: يا رسول الله، بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك.
ولقائل أنْ يقول: إذا كان الله تعالى قد وعد نبيه بالنصر، فَلم الإلحاح في الدعاء؟ نقول: ما كان سيدنا رسول الله يُلح في الدعاء من أجل النصر؛ لأنه وَعْد مُحقَّق من الله تعالى.
واقرأ قوله تعالى: {وَإذْ يَعدُكُمُ الله إحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَات الشوكة تَكُونُ لَكُمْ وَيُريدُ الله أَن يُحقَّ الحَقَّ بكَلمَاته وَيَقْطَعَ دَابرَ الكافرين} [الأنفال: 7].
فالرسول لا يريد الانتصار على العير، وعلى تجارة قريش، إنما يريد النفير الذي خرج للحرب.
وقوله تعالى: {في رَسُول الله} [الأحزاب: 21] كأن الأُسْوة الحسنة مكانها كل رسول الله، فهو صلى الله عليه وسلم ظرف للأُسْوة الحسنة في كل عضو فيه صلى الله عليه وسلم، ففي لسانه أُسْوة حسنة، وفي عينه أُسْوة حسنة، وفي يده أُسْوة حسنة. إلخ، كله صلى الله عليه وسلم أُسْوة حسنة.
هذه الأُسْوة لمَنْ؟ {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر وَذَكَرَ الله كَثيرًا} [الأحزاب: 21].
وصف ذكر الله بالكثرة؛ لأن التكاليف الإيمانية تتطلب من النفس استعدادًا وتهيؤًا لها، وتؤدي إلى مشقة، أما ذكْر الله فكما قُلْنا لا يكلفك شيئًا، ولا يشق عليك؛ لذلك قال تعالى: {وَلَذكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].
يعني: أكبر من أيّ طاعة أخرى؛ لأنه يسير على لسانك، تستطيعه في كل عمل من أعمالك، وفي كل وقت، وفي أيّ مكان، ولذلك قُلْنا في آية الجمعة: {فَإذَا قُضيَت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فَضْل الله واذكروا الله كَثيرًا} [الجمعة: 10].
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي: لما رأى المؤمنون الأحزاب منصرفين مهزومين {قَالُوا هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ} [الأحزاب: 22] أي: هذا النصر، وهذا الوعد الذي تحقق ما زادهم {إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا} [الأحزاب: 22].
وهذه المسألة دليل من أدلة أن الإيمان يزيد وينقص، فالإيمان يزيد بزيادة الجزئيات التي تُعليه، فبعد الإيمان بالحق- سبحانه وتعالى- هناك إيمان بالجزئيات التي تثبت صدْق الحق في كلّ تصرف.
وتسليمًا: أي لله في كلّ ما يُجريه على العباد.
{منَ الْمُؤْمنينَ رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمنْهُمْ مَنْ يَنْتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا (23)}.